روائع مختارة | روضة الدعاة | أدب وثقافة وإبداع | من أعلام الأدباء.. أبو القاسم الشابي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > أدب وثقافة وإبداع > من أعلام الأدباء.. أبو القاسم الشابي


  من أعلام الأدباء.. أبو القاسم الشابي
     عدد مرات المشاهدة: 10152        عدد مرات الإرسال: 0

مولده وحياته: وُلد أبو القاسم الشابي في يوم الأربعاء الثالث من شهر صفر سنة 1327هـ الموافق الرابع والعشرين من فبراير عام 1909م، وذلك في بلدة توزر في تونس.

أبو القاسم الشابي هو ابن محمد الشابي الذي وُلد عام (1296هـ 1879م) وفي سنة (1319هـ 1901م) ذهب إلى مصر وهو في الثانية والعشرين من عمره؛ ليتلقَّى العلم في الجامع الأزهر في القاهرة.

ومكث محمد الشابي في مصر سبع سنوات، عاد بعدها إلى تونس يحمل إجازة الأزهر.

 ويبدو أن الشيخ محمد الشابي قد تزوَّج إثر عودته من مصر ثم رُزِقَ ابنه البكر أبا القاسم الشابي، وقضى الشيخ محمد الشابي حياته في القضاء بالآفاق، ففي سنة (1328هـ 1910م) عُيِّنَ قاضيًا في سليانة.

ثم في قَفْصَة في العام التالي، ثم في قابس (1332هـ 1914م)، ثم في جبال تالة (1335هـ 1917م)، ثم في مجاز الباب (1337هـ 1918م)، ثم في رأس الجبل (1343هـ 1924م).

ثم نقل إلى بلدة زَغْوَان (1345هـ 1927م)، ومن المتوقَّع أن يكون الشيخ محمد قد نقل أسرته معه وفيها ابنه البكر أبو القاسم وهو يتنقل بين هذه البلدان.

ويبدو أن الشابي الكبير قد بقي في زَغْوَان إلى صفر من سنة (1348هـ يوليو 1929م).

حينما مرض مرضه الأخير، ورغب في العودة إلى تَوْزَر، ولم يعش الشيخ محمد الشابي طويلًا بعد رجوعه إلى توزر، فقد توفي في الثامن من أيلول - سبتمبر 1929م الموافق للثالث من ربيع الثاني 1348هـ.

يبدو بوضوح أن الشابي كان يعلم على إثر تخرُّجه في الزيتونة أو قبلها بقليل أن قلبه مريض، ولكنَّ أعراض الداء لم تظهر عليه واضحة إلاَّ في عام 1929م.

وكان والده يريده أنْ يتزوَّج، فلم يجد أبو القاسم الشابي للتوفيق بين رغبة والده وبين مقتضيات حالته الصحية بدًّا من أن يستشير طبيبًا في ذلك.

وذهب الشابي برفقة صديقه زين العابدين السنوسي لاستشارة الطبيب، لكنَّه حذَّر الشابي على أية حال من عواقب الإجهاد الفكري والبدني، وبناء على رأي الدكتور وامتثالًا لرغبة والده عزم الشابي على الزواج وعقد قرانه.

 شعره:

خمسة وعشرون عامًا هي عمر هذا الشاعر الذي ترك خلفه أعمالًا رائعة، فقد عاش أبو القاسم تحت نير الاحتلال الفرنسي لبلاده.

ففاضت معاني الحرية في شعره، كأنها قواعد قانونيَّة تُوصف لمن أتى بعده، تُعرِّفُنا سبحاته كأنه طائر -رغم مرضه– أبى الاستكانة في هذا الجو المظلم، والصاخب بمدافع وطائرات ورشاشات العدوِّ.

فجاءت كلماته ذات قوَّة جليَّة لها أكبر الأثر في النفس، نفس إنسان قُدِّر له أن يعيش عمرًا قصيرًا، لكن هيهات ليست العبرة بالعمر، وإنما العبرة في هذه المعاني الكبيرة التي تركها الشابي الشابُّ خلفه.

حينما يرجع الشابي بشعره إلى واقعه وواقع قومه، فإن أشجانه تُهاج؛ فهو يتألم ويثور ويمور ممَّا يمرُّ به قومه من ظلم، وما يمرُّ به وطنه من وضع خائر، فيثور في شجاعة قلمَّا توجد في بني جلدته -إلاَّ من رحم ربي- فمن صرخاته في هؤلاء الراكدين من بني قومه:

خُلِقْتَ طَليقًا كَطَيفِ النَّسيمِ *** وحُرًّا كَنُورِ الضُّحى في سَمَاهْ

تُغَرِّدُ كالطَّيرِ أَيْنَ انْدَفَعْتَ *** وتشدو بما شاءَ وَحْيُ الإِلهْ

وتَمْرَحُ بَيْنَ وُرودِ الصَّباحِ *** وتنعَمُ بالنُّورِ أَنَّى تَرَاهْ

وتَمْشي كما شِئْتَ بَيْنَ المروجِ *** وتَقْطُفُ وَرْدَ الرُّبى في رُبَاهْ

كذا صاغكَ اللهُ يا ابنَ الوُجُودِ *** وأَلْقَتْكَ في الكونِ هذي الحيَاةْ

فما لكَ ترضَى بذُلِّ القيودِ *** وتَحْني لمنْ كبَّلوكَ الجِبَاهْ[1]

هذه الأبيات السابقة صرخة حقيقة في وجه هؤلاء الذين تربَّوْا على معاني العبوديَّة والرقِّ، ونسُوا أو تناسوا أنَّ الحرِّيَّة كنز قد وهبه الله للإنسان منذ ميلاده وحتى وفاته.

 يُنَبِّه الشابي الإنسان إلى حقيقة الحياة، فليست الحياة تغافلًا عن كنهها وحقيقتها، وإنما الحياة هي الحرِّيَّة الحقيقة للإنسان، فمع الحرِّيَّة ينعم الإنسان بالتأمُّل في هذا الكون المحيط به، ومن ثَمَّ يستطيع الإنسان أن يصل إلى الله تعالى بهذا التأمُّل في هذا الكون.

 والكون بطبيعته الخلابة الذي هو صورة قويَّة تُعَبِّر في طيَّاتها عن عظمة الله تعالى، هذه الطبيعة الجميلة استطاعت أنْ تؤثِّر في شعر أبي القاسم الشابي تأثيرًا واضحًا، فهذه الأبيات القادمة تُعين السالك في درب ربِّه على التقرُّب منه I، فجمال الطبيعة بأشجارها وثمارها وأنهارها وطيرها وسمائها وأرضها هي في حقيقتها إبداع يد الصانع -جلَّ وعلا- .

فاستطاع أبو القاسم الشابي أن يُصوِّرها لنا -نحن المتلقِّين- في صورة تُحبِّب كلَّ من أخذته المدينة بأعبائها وضوضائها، فتأخذه في رحلة كونيَّة جميلة، يرى فيها الإنسانُ قدرةَ الله، وكأنَّه يراها أول مرَّة، فيستقي من هذا الشعر قيمة رُوحيَّة جديدة قلمَّا يأخذها من مكان آخر، اللهم ما جاء به القرآن العظيم والسنة النبويَّة المطهَّرة، فيقول أبو القاسم الشابي:

 أَقْبَلَ الصُّبْحُ يُغنِّي *** للحياةِ النَّاعِسَهْ

والرُّبى تَحلمُ في ظِلِّ *** الغُصونِ المائِسَهْ

والصَّبا تُرْقِصُ أَوراقَ *** الزُّهورِ اليابسَهْ

وتَهادى النُّورَ في تِلْـ *** ـكَ الفِجاجِ الدَّامسَهْ

أَقبلَ الصُّبْحُ جميلًا *** يملأُ الأُفْقَ بَهَاهْ[2]

 ورغم ما قيل عن كآبة وبؤس أبي القاسم الشابي، ورغم ما صرح به في كثير من ثنايا شعره، لكنه ما يلبث أن يعود لله تعالى نادمًا عما تقوَّلته شفتاه، وألهج به لسانه، فبعد رحلة طويلة من النظرة القاتمة للحياة، فإنَّ أبا القاسم الشابي سرعان ما يعود لله تعالى، نادمًا طالبًا عفوه، فيقول:

 مَا الَّذي قَدْ أَتيتَ يا قلبيَ البا *** كي وماذا قَدْ قُلْتِهِ يا شِفاهِي

يا إلهي قَدْ أَنْطَقَ الهمُّ قلبي *** بالذي كانَ فاغتفرْ يا إِلهِي[3]

 تنوع إبداعه الشعري:

ولا يتوقَّف إنتاج أبي القاسم الشابي عند حدٍّ بعينه، بل يمتدُّ إبداعه الفني إلى العديد من الزوايا الاجتماعيَّة والجماليَّة والنضاليَّة، ولعلَّ من أبرز القصائد التي أنتجها أبو القاسم الشابي في المجال النضالي.

قصيدة (إلى الشعب)؛ فالشعب في تجربة الشابي الشعريَّة مسئول عمَّا يلحق به من ضرر، وعن كل ما ينال الوطن من أذى.

ويكتسب هذا الاتجاه دلالات فكريَّة أكبر بكثير من كونه أسلوبًا في إرادة التخاطب أو استحضار الغائب الموجود، فالشعب عنده تعبير عن الوعي الجديد.

وعن الانفعالات الحارَّة إزاء خنوع الأُمَّة واستسلامها لحكَّامها الطغاة أو جلاديها مع الدخلاء والمستعربين؛ فالشعب الذي ارتضى بحاكمه الطاغية العابث، وارتضى الاحتلال، يستحقُّ ما يحدث له من انهزام وتراجع، أليس هذا الشعب هو الذي يصنع حُكَّامه؟

 فهذه الظاهرة المخاطبة للشعب هي -حقيقة- تجربة جديدة في الشعر العربي الحديث، وهؤلاء الشعراء الذين يغضُّون الطرف عن عيوب الشعب لا يقلُّون خطرًا عن الذين يغضُّون الطرف عن عيوب الجلادين، فقصيدة (إلى الشعب).

تُعتبر بمثابة البشارة بمناخ جديد يستنهض خامد الشعوب، ويستفزُّ ميت الأوطان؛ فقد جمعت بين حرارة التعبير وبراعة الصورة، حيث يتساءل الشابي فيها عن الدور الحقيقي لهذه الشعوب الهامدة الجامدة، ويوجِّهها إلى العلا والطموح، إلى ما هو أكبر من ذلك؛ حيث الحريَّة التي تتولَّد منها المعاني الجديدة للحياة، فيقول:

 أَيْنَ يا شعبُ قلبُكَ الخافقُ الحسَّـ *** ـاسُ أَيْنَ الطُّموحُ والأَحْلامُ؟

أَيْنَ يا شعبُ رُوحُك الشَّاعرُ الفنَّـ *** ـانُ أَيْنَ الخيالُ والإِلهامُ؟

أَيْنَ يمَّ الحَيَاةِ يَدْوي حوالَيْـ *** ـكَ فأَينَ المُغامِرُ المِقْدامُ؟

أَيْنَ عَزْمُ الحَيَاةِ لا شيءَ إلاَّ الـ *** ـموتُ والصَّمْتُ والأَسى والظَّلامُ؟

عُمُرٌ مَيِّتٌ وقلبٌ خَواءٌ *** ودمٌ لا تُثيرُهُ الآلامُ

وحياةٌ تَنامُ في ظُلْمة الوادي *** وتنمو في فوقها الأَوهامُ

أَيُّ عيشٍ هذا وأَيُّ حياةٍ *** رُبَّ عيشٍ أَخَفُّ منه الحِمَامُ[4]

 فالشابي في هذه الأبيات كان يعتقد واهمًا أنَّ مشكلة الشعب العربي أنه يعيش في ماضيه لا في حاضره، وأنه من أجل ذلك الماضي يتجنَّب الدخول إلى الحياة الحاضرة.

وما ذلك -كما يذكر الدكتور عبد العزيز المقالح -إلاَّ وَهْمٌ خادع، فالشعب العربي يومئذ -كما هو اليوم- لم يكن قد تبقي له من أمجاد الأمس إلاَّ بمقدار ما اكتسبه من أمجاد اليوم، قشور صغيرة ومظاهر سطحية لا معنى لها ولا قيمة[5].

ولا يقف الشابي عند هذه القصيدة؛ بل تمتدُّ تساؤلاته، ويقف عقله مشدوهًا لما يراه من حال هذه الجموع الإسلاميَّة المنهزمة المقيَّدة، كأنها قطيع من الغنم يسوقه الراعي أمامه وحتى إن سار الراعي أمامها سارت هي خلفه.

 فيقول في تعجُّب، يملكه كثير من الحسرة والأسى:

إنِّي أرى فأرى جموعًا جمَّةً *** لكنَّها تحيا بِلا ألْبابِ

يَدْوي[6] حوالَيْها الزَّمَانُ كأنَّما *** يدوي حوالَي جندلٍ[7] وترابِ

وإذا استجابوا للزَّمانِ تَناكروا *** وتَراشَقوا بالشَّوكِ والأحْصابِ

وقَضَوْا على رُوحِ الأخُوَّةِ بينهمْ *** جَهْلًا وعاشوا عيشةَ الأغرابِ

...

والعالِمُ النَّحريرُ يُنْفِقُ عُمْرَهُ *** في فَهْمِ ألفاظٍ ودَرسِ كِتابِ

يحيا على رِمَمِ القَديمِ المجتَوى *** كالدُّود في حِمَمِ الرَّمادِ الخابي

والشَّعبُ بينهما قطيعٌ ضائعٌ *** دنياهُ دنيا مأكلٍ وشَرابِ[8]

إن الشابي في هذه الأبيات السابقة يدوي بتساؤلات حائرة، ويتعجَّب من هذه الجموع الخائرة، فينظر حواليه، فلا يرى إلاَّ شعوبًا أرهقتها قضية واحدة، وهي ماذا ستأكل؟ وكيف ستعيش؟

ونسيت كلَّ المعاني القيِّمة التي جاء بها الإسلام من العزَّة والكرامة، التي تدور في إطار الأخوَّة الإسلاميَّة التي أمرنا الله أن نعانقها، وأن نتواصى بها بيننا.

وقد دافع الشابي عن الإسلام، وذمَّ المنتسبين إليه الذين لا يُبالون بما أُصيبت به الأُمَّة من هوان، واستباحة للأرض والعرض.

حتى بات الإسلام -الذي هو الحصن المنيع- قضية ثانويَّة عند هؤلاء المحسوبين عليه، وما زاد الأمر تعقيدًا أن علماء الأُمَّة قد تخلَّوْا عن قضيَّتهم، وباتوا بملء الجفن وسُبل الإلحاد تُفَرِّق بين الأُمَّة المستضعفة.

 فيقول:

لقدْ نامَ أَهلُ العِلْم نومًا مغنطَسًا *** فلمْ يسمعوا مَا رَدَّدَتْهُ العوالِمُ

ولكنَّ صوتًا صارخًا متصاعدًا *** من الرُّوحِ يَدري كُنْهَهُ المُتَصامِمُ

سيُوقِظُ منهمْ كلَّ منْ هوَ نائمٌ *** ويُنطِقُ منهمْ كلَّ من هو واجِمُ

سَكَتُّمْ حماةَ الدِّين سَكْتَةَ واجمٍ *** ونمْتُمْ بمِلْءِ الجَفْنِ والسَّيلُ داهِمُ

سَكَتُّمْ وقد شِمتم ظلامًا غُضُونُهُ *** علائمُ كفرٍ ثائرٍ ومعالِمُ

مواكبُ إلحادٍ وراءَ سكوتِكُمْ *** تَضِجُّ وها إنَّ الفضاءَ مَآثِمُ

أَفيقوا فليلُ النَّومِ ولَّى شبابُهُ *** ولاحتْ لِلألاءِ الصَّباحِ عَلائِمُ

فَدُونَ ضجيجِ الفاسقين سَكينةٌ *** هيَ الموتُ ممَّا أَورَثَتْهُ التَّمائِمُ

عوائدُ تُحيي في البلادِ نوائبًا *** تقُدُّ قِوَامَ الدِّين والدِّينُ قائِمُ

أَفيقوا وهُبُّوا هَبَّةً ضَيْغَمِيَّةً *** ولا تحجُمُوا فالموتُ في الجبْنِ جاثِمُ[9]

 وبعدُ، فإن الشابي قد نوَّع من إنتاجه الشعري حتى عدَّه كثير من نقَّاد الأدب من روَّاد ما يُطلق عليها المدرسة "الرومانتيكية" في الأدب، ومن المجدِّدين في المجالات الشعريَّة للقصيدة العربيَّة في القرن العشرين.

 وكان الغالب في هذه المجالات، تلك القصائد التي حاور فيها الشابي هذه الشعوب الإسلاميَّة الغارقة في اضمحلالها، واللاهية عن القيمة السامية التي وُجدت من أجلها، إن الشابي -بعمره القصير- استطاع بقصائده أن يُحرِّك الحسَّ الداخلي، والضمير الوجداني لكلٍّ منَّا.

وأن يوجِّه المسلمين إلى الحقائق الغالية التي حادوا عنها، ولم تخلو كثير من قصائده من نظرة تشاؤميَّة، لعلَّها ناتجة ممَّا كان يراه ويعاينه من واقع مادِّي ومعنوي سيِّئ للأُمَّة المسلمة.

 مرضه ووفاته:

كان الشابي مريضًا بالقلب منذ نشأته، وإنه كان يشكو انتفاخًا وتفتُّحًا في قلبه، ولكنَّ حالته ازدادت سوءًا فيما بعدُ بعوامل متعدِّدة؛ منها التطوُّر الطبيعي للمرض بعامل الزمن، والشابي كان في الأصل ضعيف البنية.

ومنها أحوال الحياة التي تَقَلَّبَ فيها طفلًا، ومنها الأحوال السيِّئة التي كانت تحيط بالطلاب عامَّة في مدارس السكنى التابعة للزيتونة، ومنها فوق ذلك إهماله لنصيحة الأطباء في الاعتدال في حياته البدنيَّة والفكريَّة، ومنها أيضًا زواجه فيما بعدُ.

 لم يأتمر الشابي بنصيحة الأطباء إلاَّ بترك الجري والقفز وتسلُّق الجبال والسياحة، ولعلَّ الألم النفسي الذي كان يدخل عليه من الإضراب عن ذلك كان أشدَّ عليه ممَّا لو مارس بعض أنواع الرياضة باعتدال، يقول بإحدى يوميَّاته الخميس 16 1 1930م.

وقد مرَّ ببعض الضواحي: "هاهنا صبية يلعبون بين الحقول، وهناك طائفة من الشباب الزيتوني والمدرسي يرتاضون في الهواء الطلق والسهل الجميل.

ومَنْ لي بأنْ أكون مثلهم؟ ولكن أنَّى لي ذلك والطبيب يحذر عليَّ ذلك؛ لأنَّ بقلبي ضعفًا! آه يا قلبي! أنت مبعث آلامي، ومستودع أحزاني، وأنت ظلمة الأسى التي تطغى على حياتي المعنويَّة والخارجيَّة".

والظاهر من حياة الشابي أنَّ الأطباء كانوا يصفون له الإقامة في الأماكن معتدلة المناخ، فقضى الشابي صيف عام 1932م في "عين دراهم" مستشفيًّا، وكان يصحبه أخوه محمد الأمين، ويظهر أنه زار في ذلك الحين بلدة "طبرقة" برغم ما كان يعانيه من الألم، ثم إنه عاد بعد ذلك إلى توزر.

وفي العام التالي اصطاف في "المشروحة" إحدى ضواحي "قسنطينة" من أرض الجزائر، وهي منطقة مرتفعة عن سطح البحر تُشرف على مساحات مترامية وفيها من المناظر الخلاَّبة ومن البساتين ما يجعلها متعة الحياة الدنيا، وقد شهد الشابي بنفسه بذلك، ومع مجيء الخريف عاد الشابي إلى تونس الحاضرة؛ ليأخذ طريقه منها إلى توزر لقضاء الشتاء فيها.

غير أن هذا التنقُّل بين المصايف والمشاتي لم يُجْدِ للشابي نفعًا؛ فقد ساءت حاله في آخر عام 1933م، واشتدت عليه الآلام، فاضطر إلى ملازمة الفراش مدَّة، حتى إذا مرَّ الشتاء ببرده وجاء الربيع ذهب الشابي إلى الحمَّة أو الحامة (حامة توزر)؛ طالبًا الراحة والشفاء من مرضه المجهول.

 وحجز الأطباء عليه الاشتغال بالكتابة والمطالعة، وأخيرًا أعيا الداء على التمريض المنزلي في الآفاق؛ فغادر الشابي توزر إلى العاصمة في أغسطس 1934م، وبعد أن مكث بضعة أيام في أحد فنادقها وزار حمام الأنف - أحد أماكن الاستجمام شرق مدينة تونس - نصح له الأطباء بأن يذهب إلى أريانا.

وكان ذلك في سبتمبر، و"أريانا" ضاحية تقع على نحو خمس كيلومترات إلى الشمال الشرقي من مدينة تونس، وهي موصوفة بجفاف الهواء، ولكنَّ حال الشابي ظلَّت تسوء، وظلَّ مرضه عند سواد الناس مجهولًا أو كالمجهول، وكان الناس لا يزالون يتساءلون عن مرضه هذا: أداء السل هو أم مرض القلب؟

 ثم أعيا مرض الشابي على عناية وتدبير فرديين فدخل مستشفى الطليان في العاصمة التونسيَّة في اليوم الثالث من شهر أكتوبر قبل وفاته بستَّة أيام، ويظهر من سجل المستشفى أنَّ أبا القاسم الشابي كان مصابًا بمرض القلب.

 تُوُفِّيَ أبو القاسم الشابي في المستشفى في التاسع من أكتوبر من عام 1934 فجرًا في الساعة الرابعة من صباح يوم الاثنين الموافق لليوم الأول من رجب سنة 1353هـ، نُقل جثمان الشابي في أصيل اليوم الذي تُوُفِّيَ فيه إلى توزر ودُفن فيها[10].

الأول من رجب سنة 1353هـ، نُقل جثمان الشابي في أصيل اليوم الذي تُوُفِّيَ فيه إلى توزر ودُفن فيها[10].

--------------------------------------------------------------------------------

[1] الأبيات من المتقارب.

[2] الأبيات من مجزوء الرمل.

[3] الأبيات من الخفيف.

[4] الأبيات من الخفيف.

[5] انظر: عبد العزيز المقالح: عمالقة عند مطلع القرن ص210-211.

[6] الدَّوِيُّ: الصَّوْتُ. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة دوي 14/276.

[7] الجندل: الحجارة. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة جندل 11/128.

[8] الأبيات من الكامل.

[9] الأبيات من الطويل.

[10] الرابط: http://alshaby.8m.com/alshaby/index1.htm

المصدر: موقع قصة الإسلام